لماذا يتأخر النصر؟ .بقلم الأستاذ:سيد قطب رحمه الله

        

     والنصر قد يبطئ على الذين ظلموا وأخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، فيكون هذا الإبطاء لحكمة يريدها الله..
قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعدُ نضجها، ولم يتم بعد تمامها، ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات، فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكا لعدم قدرتها على حمايته طويلا.

وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزا ولا غاليا لا تبذله هينا رخيصا في سبيل الله.
وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر، إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعده لله.
وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، وهي تعاني وتتألم وتبذل، ولا تجد لها سندا إلا الله، ولا متوجَّها إلا إليه وحده في الضراء، وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن الله به، فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله.

وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها لله ولدعوته، فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها، والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله، بريئا من المشاعر التي تلابسه.

كما قد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصا ويذهب وحده هالكا، لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار.
وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماما، فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصارًا من المخدوعين فيه، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله، فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة، فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عاريًا للناس، ويذهب غير مأسوف عليه.

وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة، فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار، فيظل الصراع قائما حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر ولاستبقائه.

من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله قد يبطئ النصر، فتتضاعف التضحيات، وتتضاعف الآلام، مع دفاع الله عن الذين آمنوا.
اقرا المزيد

ضريبة الذل . بقلم الأستاذ:سيد قطب رحمه الله


ضـــــريبـــة الــــــذل
بقلم: الشهيد سيد قطب *رحمه الله*




بعض النفوس الضعيفة يخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهظة، لا تطاق، فتختار الذل والمهانة هربًا من هذه التكاليف الثقال، فتعيش عيشة تافهة، رخيصة، مفزعة، قلقة، تخاف من ظلها، وتَفْرَقُمن صداها، "يحسبون كل صيحة عليهم" ، "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة".


هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة، إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة، يؤدونها من نفوسهم، ويؤدونها من أقدارهم، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم، وكثيرًا ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون.


وإنهم ليحسبون أنهم ينالون في مقابل الكرامة التي يبذلونها قربى ذوي الجاه والسلطان حين يؤدون إليهم ضريبة الذل وهم صاغرون، ولكن كم من تجربة انكشفت عن نبذ الأذلاء نبذ النواة، بأيدي سادتهم الذين عبدوهم من دون الله، كم من رجل باع رجولته، ومرغ خديه في الثرى تحت أقدام السادة، وخنع، وخضع، وضحى بكل مقومات الحياة الإنسانية، وبكل المقدسات التي عرفتها البشرية، وبكل الأمانات التي ناطها الله به، أو ناطها الناس … ثم في النهاية إذا هو رخيص رخيص، هَيِّنٌ هَيِّن، حتى على السادة الذين استخدموه كالكلب الذليل، السادة الذين لهث في إثرهم، ووَصْوَصَ بذنبه لهم، ومرغ نفسه في الوحل ليحوز منهم الرضاء !
كم من رجل كان يملك أن يكون شريفًا، وأن يكون كريمًا، وأن يصون أمانة الله بين يديه، ويحافظ على كرامة الحق، وكرامة الإنسانية، وكان في موقفه هذا مرهوب الجانب، لا يملك له أحد شيئًا، حتى الذين لا يريدون له أن يرعى الأمانة، وأن يحرس الحق، وأن يستعز بالكرامة، فلما أن خان الأمانة التي بين يديه، وضعف عن تكاليف الكرامة، وتجرد من عزة الحق، هان على الذين كانوا يهابونه، وذل عند من كانوا يرهبون الحق الذي هو حارسه، ورخص عند من كانوا يحاولون شراءه، رخص حتى أعرضوا عن شرائه، ثم نُبِذَ كما تُنْبَذُ الجيفة، وركلته الأقدام، أقدام الذين كانوا يَعِدُونه ويمنونه يوم كان له من الحق جاه، ومن الكرامة هيبة، ومن الأمانة ملاذ.


كثير هم الذين يَهْوُونَ من القمة إلى السَّفْح، لا يرحمهم أحد، ولا يترحم عليهم أحد، ولا يسير في جنازتهم أحد، حتى السادة الذين في سبيلهم هَوَوْا من قمة الكرامة إلى سفوح الذل، ومن عزة الحق إلى مَهَاوي الضلال، ومع تكاثر العظات والتجارب فإننا ما نزال نشهد في كل يوم ضحية، ضحية تؤدي ضريبة الذل كاملة، ضحية تخون الله والناس، وتضحي بالأمانة وبالكرامة، ضحية تلهث في إثر السادة، وتلهث في إثر المطمع والمطمح، وتلهث وراء الوعود والسراب ….. ثم تَهْوِي وتَنْزَوِي هنالك في السفح خَانِعَةً مَهِينَة، ينظر إليها الناس في شماتة، وينظر إليها السادة في احتقار.
لقد شاهدتُ في عمري المحدود - ومازلت أشاهد - عشرات من الرجال الكبار يحنون الرؤوس لغير الواحد القهار، ويتقدمون خاشعين، يحملون ضرائب الذل، تثقل كواهلهم، وتحني هاماتهم، وتلوي أعناقهم، وتُنَكِّس رؤوسهم …. ثم يُطْرَدُون كالكلاب، بعد أن يضعوا أحمالهم، ويسلموا بضاعتهم، ويتجردوا من الحُسنَيَيْن في الدنيا والآخرة، ويَمضون بعد ذلك في قافلة الرقيق، لا يَحُسُّ بهم أحد حتى الجلاد.


لقد شاهدتهم وفي وسعهم أن يكونوا أحراراً، ولكنهم يختارون العبودية، وفي طاقتهم أن يكونوا أقوياء، ولكنهم يختارون التخاذل، وفي إمكانهم أن يكونوا مرهوبي الجانب، ولكنهم يختارون الجبن والمهانة …. شاهدتهم يهربون من العزة كي لا تكلفهم درهمًا، وهم يؤدون للذل دينارًا أو قنطارًا، شاهدتهم يرتكبون كل كبيرة ليرضوا صاحب جاه أو سلطان، ويستظلوا بجاهه أو سلطانه، وهم يملكون أن يَرْهَبَهم ذوو الجاه والسلطان! لا، بل شاهدت شعوبًا بأَسْرِها تُشْفِقُ من تكاليف الحرية مرة، فتظل تؤدي ضرائب العبودية مرات، ضرائب لا تُقَاس إليها تكاليف الحرية، ولا تبلغ عُشْرَ مِعْشَارِها، وقديمًا قالت اليهود لنبيها "يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هنا قاعدون" فأَدَّتْ ثمن هذا النكول عن تكاليف العزة أربعين سنة تتيه في الصحراء، تأكلها الرمال، وتذلها الغربة، وتشردها المخاوف…. وما كانت لتؤدي معشار هذا كله ثمنًا للعزة والنصر في عالم الرجال.
إنه لابد من ضريبة يؤديها الأفراد، وتؤديها الجماعات، وتؤديها الشعوب، فإما أن تؤدى هذه الضريبة للعزة والكرامة والحرية، وإما أن تؤدى للذلة والمهانة والعبودية، والتجارب كلها تنطق بهذه الحقيقة التي لا مفر منها، ولا فكاك.


فإلى الذين يَفْرَقُونَ من تكاليف الحرية، إلى الذين يخشون عاقبة الكرامة، إلى الذين يمرِّغُون خدودهم تحت مواطئ الأقدام، إلى الذين يخونون أماناتهم، ويخونون كراماتهم، ويخونون إنسانيتهم، ويخونون التضحيات العظيمة التي بذلتها أمتهم لتتحرر وتتخلص.


إلى هؤلاء جميعًا أوجه الدعوة أن ينظروا في عبر التاريخ، وفي عبر الواقع القريب، وأن يتدبروا الأمثلة المتكررة التي تشهد بأن ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة، وأن تكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية، وأن الذين يستعدون للموت توهب لهم الحياة، وأن الذين لا يخشون الفقر يرزقون الكفاية، وأن الذين لا يَرْهَبُون الجاه والسلطان يَرْهَبُهم الجاه والسلطان.


ولدينا أمثلة كثيرة وقريبة على الأذلاء الذين باعوا الضمائر، وخانوا الأمانات، وخذلوا الحق، وتمرغوا في التراب ثم ذهبوا غير مأسوف عليهم من أحد، ملعونين
من الله، ملعونين من الناس، وأمثلة كذلك ولو أنها قليلة على الذين يأبون أن يذلوا، ويأبون أن يخونوا، ويأبون أن يبيعوا رجولتهم، وقد عاش من عاش منهم كريمًا، ومات من مات منهم كريمًا.
اقرا المزيد

نفوس لا ترضخ للواقع المزري

نفوس لا ترضخ للواقـــــع المزري
 
د. علي الحمادي
كان كافور الإخشيدي وصاحبه عبدين أسودين, فجيء بهما إلى قطائع ابن طولون, صاحب الديار المصرية وقتئذ, ليباعا في أسواقها, فتمنى صاحبه أن يباع لطباخ حتى يملأ بطنه بما شاء, وتمنى كافور أن يملك هذه المدينة ليحكم وينهى ويأمر, وقد بلغ كل منهما مناه, فبيع صاحب كافور لطباخ, وبيع كافور لأحد قواد المصريين فأظهر كفاءة واقتدارًا.
ولما مات مولى كافور قام مقامه, واشتهر بذكائه وكمال فطنته حتى صار رأس القواد وصاحب الكلمة عند الولاة, وما زال يجد ويجتهد حتى ملك مصر والشام وغيرهما.
مرّ كافور يومًا بصاحبه فرآه عند الطباخ بحالة سيئة, فقال لمن معه: لقد قعدت بهذا همته فكان كما ترون, وطارت بي همتي فكنت كما ترون, ولو جمعتني وإياه همة واحدة لجمعنا عمل واحد.
كم نحن بحاجة إلى تأمل حال كافور وصاحبه, ذلك لأن نفرًا من الناس يتفننون في لبس لباس صاحب كافور, وفي تقمص شخصيته وهمته وطموحاته, فتكون النتيجة مزيجًا من الفشل والقهر والهم والألم.
ليس ثمة شيء أيسر من جلد الذات, وإن كان ذلك حقًا, وقد يكون مطلوبًا في بعض الأحيان, إذ ليس حال أمتنا بحال يثلج الصدر, فاليهود يتلاعبون بها ويضحكون على ذقون نفر من أبنائها, والمال يركض إلى الغرب, والقرار السياسي لابد له أن يكون منسجمًا مع أو مغازلًا للقرار الغربي إن لم يكن تابعًا له, والعقول قد هاجرت إلى العم سام, والمناهج التربوية والتعليمية تعشعش عليها عناكبُ التخلف وغربان الضياع, وحقوق الإنسان المسلم مستباحة على أيدي الشرق والغرب, وما يحدث في فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير والشيشان وغيرها كبر شاهد على ذلك.
لقد أثبت التاريخ إن الإنسان لا يمكن له أن يقيم حضارة أو يصنع مستقبلًا ما لم يغير من نفسه ابتداءً, ثم يسير جادًا في طريق التغيير حتى يغيّر مَنْ نفسه وما حوله, وليس ذلك مستحيلًا أو بعيد المنال, بل المستحيل هو ما تجعله أنت مستحيلًا.
لأستسهلنَّ الصعب أو أبلــغ المنـى
فما انقـادت الآمــال إلا لصــابر
إنّ البداية الحقَّة للنهوض وصناعة الحياة هي في الرغبة الصادقة في إحداث شيء مؤثر, وهي في القرار الحازم الذي يتخذه الإنسان من أجل التغيير.
نحن بحاجة إلى هذه النفوس التي قررت أن لا ترضخ للواقع المزري, واعتقدت أنها قادرة على السباحة عكس التيار, كما أننا بحاجة إلى ازدراء تلك النفوس المستسلمة التي لا شموخ فيها ولا سموق.
تأمل ذلك الحوار القوي الصاعد بالمعنويات إلى عنان السماء, والذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الصحابي الجليل خباب بن الأرت لما جاءه شاكيًا حاله وحال المعذَّبين من الصحابة.
قال خباب: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة, فقلنا: ألا تستنصر لنا, ألا تدعو لنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد كان من قبلكم يُوخذ الرجل, فيحفر له في الأرض, فُيجعل فيها, ثم يُؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فُيجعل نصفين, ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه, ما يصدُّه ذلك عن دينه, والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه, ولكنكم تستعجلون ".(رواه البخاري)
ولقد فرَّ عبد الرحمن الداخل من الشام بعد سقوط الدولة الأموية على أيدي العباسيين, فلم يرضه ما آل إليه أمره, فأبى إلا التغيير, فكانت العاقبة أن شيّد ملكًا في قعر بلاد النصارى, وأقام حضارة إسلامية دامت أكثر من ثمانية قرون.
وفي عالم الإدارة والسياسة والمال حوادث كثيرة ونجاحات عديدة, فهذا مانديلا عاش ثمانية وعشرون عامًا في سجن في جنوب أفريقيا, وكان يقود التغيير ويؤججه وهو في سجنه, حتى أخرجه حاكم جنوب إفريقيا ديكلارك مرغمًا من سجنه, وأصبح مانديلا هو الحاكم, بل أصبح أسطورة, والحاكم السابق اليوم في طي النسيان, فيا للعجب!!
وماليزيا مَثَلٌ متميز في التغيير, حيث صممت أن تصبح دولة صناعية خلال عشر سنين (1986 – 1995) فغيرت من شأنها تغييرًا شاملًا واستطاعت أن تصبح كما أرادت في المدة التي رسمتها لنفسها.
ولقد تعجبت من قصة هيلين كيلر, حيث في 27/6 من عام 1880 ولدت هيلين الأمريكية العمياء والصماء والخرساء التي أصبحت أحد الأمثلة البشرية في تحقيق الذات والنجاح, ليس للمعوقين فحسب, وإنما للأسوياء وللمتفوقين منهم أيضًا, بعدما تمكنت هذه المرأة من تذليل إعاقتها الثلاثية, وعاشت حياة زاخرة بالعمل والثقافة والعطاء.
وإليك قصة أخرى مثيرة وهي قصة كاشا, حيث عندما خضع رايان كاشا (21) سنة لاختبارات الذكاء في طفولته, وتبين أن نسبة ذكائه منخفضة جدًا, وقال الأطباء إنه معاق, بدأ والداه يحاولان التكيف مع مأساتهم الجديدة, ولكن رايان تغلب على إعاقته, والتحق بالجامعة, وتخرج فيها بمرتبة الشرف.
إن العملية التغييرية وصناعة الحياة تحتاج إلى عقلاء أذكياء لا يرضيهم الواقع المعوج, ولا يركنون إلى الحال الرديء, هم في حركة دائبة, لا يكل أحدهم ولا يمل, إذْ التغيير والتفاعل والحركة هي شأن الأحياء, أما سكان اللحود والمقابر الذين فارقوا الدنيا وضمهم قبر ضيق موحش فهم أصحاب السكون والهمود والخمود،
وصدق الدكتور القرضاوي حين قال:
قالوا السعادة في السكون
وفي الخمول وفي الخمـود
في لقمة تأتي إليـــك
بغير ما جهــد جهــيد
في أن تقول كما يقـال
فلا اعتــراض ولا ردود
في أن تعيش كما يراد
ولا تـعش كمــا تـريد
قلت الحياة هي التحرك
لا السـكون ولا الهـمود
وهي التفاعل والتطور
لا التــحجر والجمــود
وهي التلذذ بالمتاعب
لا التــلذذ بالــرقـود
هي أن تعيش خليفةً
فـي الأرض شـأنك أن تـسود
اقرا المزيد

أهلا رمضان – مناجاة. الإمام الشهيد حسن البنا



أهلا رمضان – مناجاة 


       الإمام الشهيد حسن البنا 
قلت للرجل الواقف على باب العام: أعطني نورا أستضيء به في هذا الغيب المجهول فإني حائر، فقال لي: ضع يدك في يد الله فإنه سيهديك سواء السبيل.
          وعلى مفترق الطرق وقف الساري الكليل في موكب الزمن يلقي بنظرة إلى الوراء، ليستعرض ما لقى من عناء السفر ومتاعب المسير، ويلقي بنظرة إلى الأمام يتكشف ما بقي من مراحل الطريق.
          أيها الحائر في بيداء الحياة، إلى متى التيه والضلال وبيدك المصباح المنير (قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة: 15 – 16).
          أيها الحيارى والمتعبون الذين التبست عليهم المسالك فضلوا السبيل، وتنكبوا الطريق المستقيم، أجيبوا دعاء العليم الخبير (يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) (الزمر: 53 – 54) .. وترقبوا بعد ذلك طمأنينة النفس، وحسن الجزاء، وراحة الضمير (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (آل عمران: 135 – 136).
          أيها الأخ العاني المتعب الرازح تحت أعباء الخطايا والذنوب إياك أعني وإليك أوجه القول:
          إن باب ربك واسع فسيح غير محجوب، وبكاء العاصين أحب إليه من دعاء الطائعين، جلسةٌ من جلسات المناجاة في السحر وقطرةٌ من دموع الأسف والندم وكلمةُ الاستغفار والإنابة يمحو الله بها زلتك، ويعلي درجتك، وتكون عنده من المقربين، وكل بني آدم خطاءون وخير الخطائين التوابون (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة: 222).
          ما أقرب ربك إليك وأنت لا تدرك قربه، وما أحبك إلى مولاك وأنت لا تقدر حبه، وما أعظم رحمته بك وأنت من الغافلين، إنه يقول في حديثه القدسي: (أنا عند ظن عبدى بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ...) ... وفي حديث آخر (يا ابن آدم امش إليَ أهرولُ إليك ...) ... وإنه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وإنه لأعظم رحمة بعبده المؤمن من الأم الرءوم بواحدها الحبيب (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (البقرة: 143).
          من عرف حق الوقت فقد أدرك قيمة الحياة، فالوقت هو الحياة، وحين تطوى عجلةُ الزمن عاما من أعوام حياتنا لتستقبل عاما آخر، نقف على مفترق الطريق، وما أحوجنا في هذه اللحظة الفارقة أن نحاسب أنفسنا على الماضي وعلى المستقبل من قبل أن تأتي ساعة الحساب وإنها لآتية، على الماضي فنندم على الأخطاء، ونستقيل العثرات، ونقوِّم المِعْوَجَّ، ونستدرك ما فات، وفي الأجل بقية وفي الوقت فسحة لهذا الاستدراك، وعلى المستقبل فنعد له عدته من القلب النقي، والسريرة الطيبة، والعمل الصالح، والعزيمة الماضية السباقة إلى الخيرات والمؤمن أبدا بين مخافتين:
          بين عاجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وبين آجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه،
          فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الهرم، ومن الحياة قبل الموت، وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي " يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة".


جريدة الإخوان المسلمين النصف شهرية -

السنة الأولى - العدد 10 - 9 يناير 1943م
اقرا المزيد

في محاسبة النفس

في محاسبة النفس

" متى آلمك عدم إقبال الناس عليك، أو توجههم بالذم إليك، فارجع إلى علم الله فيك، فإن كان لا يقنعك علمه فيك فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه أشد من مصيبتك بوجود الأذى منهم "بن عطاء الله السكندري.
صلة المؤمن بالله هى أساس أمنه أو قلقه، وفرحه أو أساه، أما صلته بالناس فهى تجىء فى المرتبة الأخرى، وتجىء محكومة ببواعث الصلة الأولى وغايتها.

إن رأى الناس فى أمر ما ليس حكما مبرما بالتخطئة والتصويب، ورأيهم فى شخص ما ليسى حكما بالرفعة والضعة.

والذى يحدث غالبا أن آراء الناس هذه ترسل إرسالا يحتاج إلى الضبط والتمحيص، وقلما يكتنفها الرشد والسداد.

ولذلك يقول أبو تمام: إن شئت أن يسود ظنك كله فأجله فى هذا السواد الأعظم!

بل إنه فى الأزمات التى تحتاج إلى النجدة، والشدائد التى تحتاج إلى البطولة، تبحث فى الزحام الكثيف عن الرجال الذين يلقون هذه المواقف...

فتروعك ندرتهم...

ما أكثرالناس، لا، بل ما أقلهم الله يعلم أنى لم أقل فندا إنى لأفتح عينى حين أفتحها على كثير ولكن لا أرى أحدا ومن ثم كان عزاء المصلحين حين يلقون الصدود والغمط، ويشعرون بالإنكار والعزلة قول الله جل شأنه:
(وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون * إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين).

ولما كان انبعاث المؤمن من ضميره وحده، ومبتغاه أن يرضى الله عنه، فهو لا يكترث، أوقع الناس فيه، أم كانوا إلى جانبه...!!

بيد أن الإنسان شديد الروابط بالمجتمع الذى يعيش فيه، ونفسه ـ طوعا أو كرها ـ لابد أن تتأثر بتيارات المدح والذم التى تهب عليه.

ومن حق الرجل الفاضل ألا يعرضه فضله لهوان، إذا لم يكسب له ما يجب من احترام.

ومن حقه أن يدفع عن نفسه قالة السوء، وأن يتخذ من ضروب الحيطة ما يعقل ألسنة الشر عن مناله.

ومن حقه وهو مصدر إشعاع ألا يكسف نوره، وأن تؤخذ عنه الأسوة الحسنة وأن تأوى إليه عناصر الخير فى الدنيا لتحتمى به...

ومن ثم فصلته بالناس يجب أن تشرح بشىء من التفصيل.

إن ظهوره بالبر بينهم، ومعالنته بفرائض الإسلام وشعائره شىء طبيعى لا حرج فيه:
(إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير)

وحرصه على صيانة سمعته من أى غبار شىء طبيعى، وقد استوقف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفرا رأوه مع إحدى زوجاته، وأفهمهم أنه مع فلانة زوجته حتى لا يظنوا به السوء، مع أنه فوق التهم.

وسروره بما يعرف عنه من خير شىء طبيعى، بعد أن أدى هذا الخير بنية خالصة وقلب سليم.

وقد تحدث الصحابة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى هذا الشعور الذى يخالج أنفسهم عندما يذكرهم الناس بخير على عمل قاموا به لله.

فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن " .

وتلا قوله تعالى:
(الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم)

إن التمكين فى الأرض من رحمة الله، ونباهة الشأن جزء من التمكين فى الأرض، ولذلك امتن الله على نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال:
و رفعنا لك ذكرك).

وطلب إبراهيم من ربه أن يخلد له حسن الثناء على امتداد الزمن فقال
(رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الآخرين)

والمهم أن يصدر الإنسان فى عمله عن إخلاص لله، وألا يبتغى بأدائه عرض الدنيا ولا وجوه الخلق.

وأن تكون رغبته فى الله راجحة أى باعث آخر، فلو خاصم الناس طرا من أجل مولاه لم يجزع ولم يفزع.

وأن تكون علاقته بالناس ـ إن أحبهم ـ تعاونا على الحق، لا تناصرا على الأغراض، أو تجمعا على الشهوات والحظوظ النفسية...

فماذا أحس الإنسان بالتواء العامة عليه أو بنفرة الآخرين منه، فلينظر: كيف صلته بالله؟ فإن كان طيب النفس بها، قرير العين بتوطدها، فلا عليه لو مادت الدنيا تحت قدميه.

فما سخط العبيد بجنب رضا السيد؟ وما أحراه أن يتدبر جواب هود لقومه:
:إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم),

أما إذا كانت علاقته بالله غامضة واهنة، فليست مصيبته فى اضطراب حبله مع العباد وانصراف قلوبهم عنه وحزنه على ذلك، بل مصيبته التى تجل عن العزاء فى أنه ليس له مع الله ما يهدئ حاله، ويقر باله...

وذلك أصل الداء

من كتاب :
الجانب العاطفي في الإسلام ,الشيخ محمد الغزالي رحمه الله.
اقرا المزيد

هو صفـــــــاء الابتداء.

هو صفـــــــاء الابتداء

فأما الشاعر : فيشير إشارة عامة إلى تـفسير مثـل هذه الظاهرة ، ويـقول :

وكل امرئٍ - والله بالناس عالم - **** له عادة قامت عليها شمائله

تـعوّدها فـيمـا مضى مـن شـبابه **** كـذلك يـدعو كـل أمـر أوائـله

والشاهـد فيه : الشطـر الأخير ، فكـل أمـر تغـلب عليه الصفـة التي بدأ بها .

ولكن أساتذة التربية الأوائل قربوا أدنى من الشاعر ، فاتضح وانكشف لنا مذهبهم ، بما فصّلوا وعينوا من معنى أوائل الأمور .

منهم من صاغ ذلك في حروف قليلة شاملة ، فقال : " الفترة بعد المجاهدة : من فساد الابتداء " .

ويريد بالفترة : الفتور .

فهـو الابتداء إذن ، أي الخطوات الأولى للداعية المسلم في طريق الدعوة الموصل إلى الله ، تـكون صحيحة ، فيرتـقي بلا فتور ونكوص ، وإن فتـر فبـمـقـدار لا يتعدى أدنى ما أثـر من سنّـة النبي صلى الله عليه وسلم . وتـكون معيبة هذه الخطوات ، فيفتـر و ينكص عن الارتـقاء .

ولكن من أين يعترض الداعية الفتور إذا دفعه مربّوه بـقوة أول مرة ؟

و كيف لا يتسارع في يومه وغده سير من قطع به أمسه مرحلة نحو غايته ؟

و من أيقن أنه يتبع رسولاً من أولي العزم ، صلى الله عليه وسلم ، فكيف لا يستمد من عزمه ؟

فهي الخطوات الأولى إذن : من جعلناها له متـقنة : ثبتت بعد ذلك قدمه ، بما يشاء الله ، ومن تركناه يضطرب فقـد أعطينا لشيطانه المقص يقطع به حبل ما بيننا و بينه ، يتربص لذلك غـفـلة .

فإن لم يحصل الشيطان على المقـص ، وفاتته المفاجأة ، فإنه يقنع بأن يمسك طرف الحبل يفلّ خيوطه بتدريج ، ويلقي في نفس من اعوجت بدايته الدعاوي ، ويريه قليل خيره وعمله كثيراً ، حتى يستولي عليه الغرور والتطاول ، فيرتكس هالكاً .

وهذه العقدة الثانية للشيطان أبصرها آخر من الصالحين ، ووصفها يحذرنا ، فقال : " إنما تتولد الدعاوي من فساد الابتداء ، فمن صحت بدايتـه : صحت نهايته ، ومن فسدت بدايته : فربما هلك " .

بل يهلك في الأغلب ، فإن مبني البداية على التجرد ، فإذا حرم من صفائه في الأول فإن بنيانه يظل مهتـزاً مهما شمخ عالياً ، بل الخطر كل الخطر عليه في الحقيقة إذا شمخ ، فإنه يسرع إلى التمايل عند كل نداء ببدعة أو دعوة لمغنم ، لأن من شأن الشيطان أن يزين البدعة و يجملها ، و أن من شأنه أن يستغل وقت الحاجة ليغري ، ولئن تردد هذا الرجل الصالح فذكر مجرد الاحتمال و استعمل كلمة ( ربما ) ، ولئن تردنا فاقتصرنا على ( الأغلب ) ، فإن ثالثاً قد جزم بذلك فقال : " من لم يصح في مبادئ إرادته : لا يَسلم في منتهى عاقبتـه " .

وما هو بنسيان منه لمشيئة الله تهدي و تـثبت من يختار ، ولكنه يتحدث عن تجربتـه في التربية ، ويقدم تـقريره عن نتائج تـفتيشه واستـقـراء أحوال من عرفهم .

وهكذا تـكون عنايتـنا بالابتداء خطاً بارزاً ظاهراً في فنّناً التربوي الحركي .

اقرا المزيد

د. مجدي الهلالي يكتب: استصغار النفس

استصـــغـــــــــــار النفـس

الدكتور: مجدي الهلالي
أفتى سلطان العلماء "العز ابن عبد السلام" ببيع المماليك ورد ثمنهم إلى بيت المال، وذلك في عهد الملك الصالح أيوب، وكان من بينهم نائب السلطان فكَبُر ذلك عليه، فتوجه ومعه جماعة من المماليك إلى بيت الشيخ شاهرًا سيفه فطرق الباب طرقًا عنيفًا، فلما خرج له ابن الشيخ ألجمته المفاجأة إذ رأى شدة الغضب في وجه نائب السلطان والسيف مشهر بيده، فدخل إلى والده وأخبره بما رأى، وأنهم جاءوا ليقتلوه، فلم يكترث الشيخ بما سمع وقال لابنه: يا ولدي أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله!
إجابة عجيبة في موقف لا يحتمل التكلف، إجابة تقطر تواضعًا واستصغارًا للنفس ومحو الذات.
وعندما خرج إليهم ألقى الله مهابته في قلب نائب السلطان فيبست يده على السيف، وسقط من يده، وارتعدت فرائصه، ووافق على تنفيذ فتوى الشيخ!.
إن رؤية المرء لنفسه بعين النقص واستصغاره لها واستشعاره أنه لا قيمة له ولا اعتبار بذاته، وأن أي خير هو فيه فهو محض فضل من الله، وأنه سبحانه إن شاء أثبته وإن شاء منعه.. هذه الحقيقة لَمِن أهم الحقائق التي ينبغي أن يعيش العبد بكينونته فيها، وأن تصطبغ حياته بها في كلِّ الأوقات والأحوال، سواءٌ كان من أصحاب المناصب الدنيوية أو الدينية أو لم يكن.
ولنا في رسل الله وأنبيائه صلوات الله عليهم وسلامه الأسوةُ الحسنة في ذلك؛ فمع أن هؤلاء الأخيار هم أفضل الخلق إلا أنهم كانوا أكثر الخلق تواضعًا، ويكفيك في هذا ما حدث من رسول الله موسى عليه السلام عندما كلفه الله عزَّ وجلَّ بحمل الرسالة والذهاب إلى الطاغية فرعون وقومه لإبلاغهم بها، والتي تؤكد على أن الله وحده هو المستحق للعبادة، وأنه رب كل شيء ومليكه(وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنْ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11)) (طه)، فماذا كان جواب موسى عليه السلام؟ كان جوابه في غاية التواضع واستصغار النفس(قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)(القصص)، هارون عليه السلام لم يأت ذكره في القرآن إلا في مواضع قليلة.
وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم، وهو من هو في منزلته عند الله عزَّ وجلَّ وأفضليته على جميع البشر بمن فيهم الرسل والأنبياء، يأتيه رجل فيقول له يا خير البرية، فيرد عليه صلى الله عليه وسلم قائلاً: "ذاك إبراهيم عليه السلام" (رواه مسلم)، وقال يومًا لأصحابه): "لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله؟!" (متفق عليه.
وجيء إليه صلى الله عليه وسلم يومًا بطعام، فقالت له عائشة رضي الله عنها: لو أكلت يا نبي الله وأنت متكئ كان أهون عليك، فأصغى بجبهته حتى كاد يمس الأرض وقال): "بل آكل كما يأكل العبد، وأنا جالس كما يجلس العبد، وإنما أنا عبد". (أخرجه ابن المبارك في الزهد.
ودخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة فقال له: ")هون عليك فإني لست بملك، إنما أن ابن امرأة من قريش تأكل القديد". (رواه ابن ماجه.
ومن صور تواضعه صلى الله عليه وسلم واستصغاره لنفسه أنه كان يكبر أفعال إخوانه من الرسل، وأنه لو كان مكانهم ما فعل مثل أفعالهم كقوله صلى الله عليه وسلم: "عجبت لصبر أخي يوسف وكرمه والله يغفر له؛ حيث أرسل إليه ليستفتي في الرؤيا ولو كنت أنا لم أفعل حتى أخرج، وعجبت لصبره وكرمه والله يغفر له أتي ليخرج فلم يخرج حتى أخبرهم بعذره ولو كنت أنا لبادرت الباب". السلسلة الصحيحة 1941(
اقرا المزيد

دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة



دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة

إن اللإسلام حث على نشر العدل في وسط المجتمع الإسلامي , و ما تمر به الدول العربية من ثورات سببه الأول تضييع حكامها لهذه الدعامة الأساسية في بناء المجتمع .
قال الله تعالى : (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (قدس الله روحه ) في مجموع الفتاوى*:
"وَأُمُورُ النَّاسِ تَسْتَقِيمُ فِي الدُّنْيَا مَعَ الْعَدْلِ الَّذِي فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فِي أَنْوَاعِ الْإِثْمِ أَكْثَرُ مِمَّا تَسْتَقِيمُ مَعَ الظُّلْمِ فِي الْحُقُوقِ وَإِنْ لَمْ تَشْتَرِكْ فِي إثْمٍ ؛ وَلِهَذَا قِيلَ : إنَّ اللَّهَ يُقِيمُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً ؛ وَلَا يُقِيمُ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً . وَيُقَالُ : الدُّنْيَا تَدُومُ مَعَ الْعَدْلِ وَالْكُفْرِ وَلَا تَدُومُ مَعَ الظُّلْمِ وَالْإِسْلَامِ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ ذَنْبٌ أَسْرَعَ عُقُوبَةً مِنْ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ } فَالْبَاغِي يُصْرَعُ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ مَغْفُورًا لَهُ مَرْحُومًا فِي الْآخِرَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَدْلَ نِظَامُ كُلِّ شَيْءٍ ؛ فَإِذَا أُقِيمَ أَمْرُ الدُّنْيَا بِعَدْلِ قَامَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَمَتَى لَمْ تَقُمْ بِعَدْلِ لَمْ تَقُمْ وَإِنْ كَانَ لِصَاحِبِهَا مِنْ الْإِيمَانِ مَا يُجْزَى بِهِ فِي الْآخِرَةِ ؛ فَالنَّفْسُ فِيهَا دَاعِي الظُّلْمِ لِغَيْرِهَا بِالْعُلُوِّ عَلَيْهِ وَالْحَسَدِ لَهُ ؛ وَالتَّعَدِّي عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ....... " وعن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشفع في حد من حدود الله ؟ ثم قام فاختطب ثم قال إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها . متفق عليه..
ويبقى العدل أساس الملك

*المجلد : 28 الصفحة: 146
اقرا المزيد

الأوّابين

الأوّابيـــــن

موقف هــــزّني وأنا أطالع أحد الكتب فإليكم هذا الموقف الرائع :

"
و لنا في ذلك أسوة حسنةٌ في نبيِّ الرحمة صلى الله عليه وسلم الذي ما ترك خيراً إلا و أرشدنا إليه ، و لا شراً إلا أخذ بحُجَزِنا فصرفنا عنه ، و حذَّرَنا منه ، و قد كان مدرسةً في اتباع الحقّ و الرجوع عمّا يخالفه .
فقد قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر يبكيان بعد أن تبيّن لهما الحق في مسألة أسارى بدر ، خلافاً لما ذهبا إليه .
أخرج مسلم في صحيحه عن عمَر بن الخطّاب رضي الله عنه في قصّة أسارى بدر ـ و كانوا سبعين رجلاً من المشركين ـ أنّهم : ( لما أسروا الأسارى ، قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ،‏ ‏و عمر ‏: ( ‏ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟ ) فقال ‏أبو بكر :‏ ‏يا نبي الله هم بنو العم و العشيرة أرى أن تأخذ منهم ‏ ‏فديةً ،‏ ‏فتكون لنا قوةً على الكفار ، فعسى الله أن يهديهم للإسلام . فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم : ( ‏ما ‏‏ترى يا‏ ‏ابن الخطاب ؟‏ ‏) قلت : لا و الله يا رسول الله ، ما أرى الذي رأى ‏ أبو بكر ، ‏و لكني أرى أن تُمكنا فنضرب أعناقهم ... ‏فهَوِيَ رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ما قال ‏أبو بكر ، ‏و لم يهوَ ما قلتُ ، فلما كان من الغد جئتُ ، فإذا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم و أبو بكر ‏قاعِدَين يبكيان ، قلت : يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي ، أنت و صاحبك فإن وجدت بكاءً بكيتُ ، و إن لم أجد بكاءً تباكيتُ لبكائكما . فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم‏ : ( أبكي للذي عَرض علي أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عُرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة ، شجرة قريبة من نبي الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ،و أنزل الله عز و جل : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ و اللهُ عَزيزٌ حَكِيمٌ ) [ الأنفال : 67 ] .
فما أروعه من مثَل ، و يالِحُسنِها من تربية !
نبيّ الرحمة ، و صدّيق هذه الأمّة ، يبكيان ، و يعلّمان الدعاة و العلماء ، أدباً رفيعاً من آداب الدعاة ، في الرجوع إلى الحق ، و التمسك به .
و هكذا كان أصحابه رضوان الله عليهم من بعده ، يتلمسون سبل الهدى ، و ينصاعون إلى الحق ، و يعرضون عمّا يخالفه ، و لا يجد الواحد منهم غضاضةً في الرجوع عن رأيه ، و قبول الحقّ ممّن جاء به ، كائناً من كان .
كيف ، و هم المتواصون بالحقّ ، المتواصون بالصبر !! و ما أجمل قول فاروق هذه الأمة رضي الله عنه في كتابه لمعاوية بن أبي سفيان عامله على الشام : ( و لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك و هديت لرشدك أن تراجع الحق فإن الحق قديم و مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ) .
قال السرخسي رحمه الله معقباً على كلام الفاروق هذا : ( و ليس هذا في القاضي خاصة بل هو في كل من يبين لغيره شيئا من أمور الدين الواعظ و المفتي و القاضي في ذلك سواء إذا تبين له أنه زل فليُظهر رجوعه عن ذلك ، فزلة العالم سبب لفتنة الناس ... و قوله : الحق قديم ؛ يعنى هو الأصل المطلوب ، و لأنه لا تنكتم زلة من زل ، بل تظهر لا محالة فإذا كان هو الذي يظهر على نفسه كان أحسن حالاً ، ثم العقلاء ، من أن تظهر ذلك عليه مع إصراره على الباطل ) [ المبسوط : 16 / 62 ] . "

اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا .. يــــارب
اقرا المزيد

الإخوان المسلمون.. مواقف شاهدة وكلمات مضيئة

الإخوان المسلمون
مواقف شاهدة وكلمات مضيئة


بقلم: عاطف شاهين

الحمد لله، وصلاةً وسلامًا على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..


فهذان موقفان يتبعهما كلمات لرجالات الدعوة ومرشديها، نذكرها عسى الله أن ينفع بها، ويجعلها عونًا وتبصرةً بالطريق الصحيح، والسبيل الأقوم لإعلاء كلمة الله.
في محاكمات الإخوان عام 1965م، قال رئيس المحكمة الفريق محمد فؤاد الدجوي للشهيد سيد قطب: "يا سيد.. أنتم كنتم تريدون قتل جمال عبد الناصر"، فجاء رد الشهيد: "هدف حقير لا نسعى إليه"، نزل الرد كالصاعقة على الدجوي الذي ترك الموضوع كليةً، وبدأ الحديث في موضوع آخر.
قبيل لحظات من تنفيذ الإعدام، سُمِعَ صوت (بروجي) إيذانًا بقدوم شخصية عسكرية كبيرة، وما أن فُتحت بوابة سجن الاستئناف بباب الخلق، حتى دخلت سيارة سوداء، ويخرج منها القادم الكبير، وبيده كراسة وقلم مُشيرًا بيده إلى وقف التنفيذ، وهو يخطو خطوات تجاه الشهيد سيد قطب، حتى وقف بجواره قائلاً: "جئتك من عند الرءوف الرحيم"- يقصد جمال عبد الناصر، أفضى إلى ما قدم وموعدنا معه يوم يقوم الناس لرب العالمين- "كلمة واحدة تخطها في هذا الكراس تنقذ بها نفسك وإخوانك، اكتب: إني أخطأت.. إني أعتذر".
فسكت الشهيد برهة، ثم أردف قائلاً: "إن أصبع السبَّابة التي تشهد لله بالوحدانية في الصلاة تأبى أن تكتب كلمة واحدة يُقَرُّ بها لحكم طاغية، فإن كنت مسجونًا بحق فأرتضي حكم الحق، وإن كنت مسجونًا بباطل، فأنا أكبر من أن استرحم للباطل".
قال الرجل: "إنه الموت يا سيد".
قال الشهيد: "مرحبًا بالموت في سبيل الله".
وإلى الكلمات:
- "إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت الروح، وكُتبت لها الحياة".
- "إن معركتنا معركة تربوية".
- "إن حمل الجبال، وتجفيف البحار أهون من تربية الرجال".
- "إن العمل مع أنفسنا هو أول واجباتنا، فجاهدوا أنفسكم".
- "إن التهاون في البناء والتربية يعرض الجماعة لهزات وفتن داخلية".
- "إن موضوع التربية من الموضوعات ذات الأهمية الكبرى في حياة الأمم، فالأمم لا ترقى إلا بالتربية على قاعدة صحيحة، والأمة التي لم يُرَبَّ أبناؤها تربية صحيحة اختلت فيها الموازين في جميع مجالاتها الاجتماعية والسياسية والإدارية والاقتصادية وغيرها".
- "الإسلام رسالة تربية قبل أن يكون رسالة تنظيم وتشريع، ورسالة قيم قبل أن يكون رسالة جهاد وقتال".
- "إن أي سبيل غير سبيل التربية يُعتبر تبديدًا للطاقات، وصورة مشوهة للإسلام، فلا مناص، ولا خيار غير خيار التربية والدعوة، فهي السبيل التي لا خيرة لنا فيها".
- "إننا نرفض رفضًا قطعيًّا مسلك العنف والإكراه كطريقة لفرض الآراء على الناس، أو كمنهج للتغيير، بل نعمل على استئصال جذوره من الفكر والواقع؛ لأنه لا يأتي بخير، ونعتمد الحوار والإقناع، ومقارعة الحجة بالحجة، ونقول للمخالفين: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (البقرة: من الآية 111)، وللمعاندين ﴿وَإنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ (سبأ: من الآية 24)، ذلك هو السبيل الأقوم، والطريق الأصوب لسيادة المبدأ، وانتشار الفكرة، وهذا منهاج رسول الله في التغيير".
- "إن دعوة الله غالية، ومن يعمل لها هو الذي يَشْرُف بذلك، لأنه يشعر حينئذ بوجوده وكيانه، ويصبح ذا وزن وقيمة، وينال العزة والكرامة، ويتذوق حلاوة السكينة والطمأنينة؛ ولذا فإن الرجال حقًّا لا يستطيعون أن يعيشوا بلا دعوة، وإن الدعوة كذلك تحتاج إلى الرجال".
وأخيرًا.. "فإن هذه الدعوة كالشجرة الطيبة، تلقي عن نفسها الأوراق الذابلة المريضة، وتثبت في وجه الرياح الهوجاء.. ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ (الرعد: من الآية 17).
اقرا المزيد